الأحد، 27 مارس 2011

مقالات وبحوث في الدين والتاريخ

مقالات من بحث   "الكتاب وأهل الكتاب"
د.محمد مصطفى جمال

علاقة العقيدة القبطيه بالأرثوذكسية وتاريخ مصر


هناك خلط في فهم البعض على دلالة كلمة الأرثوذكس التي قد تفهم على أنها الأقباط والعقيدة القبطية وهذا ليس صحيح. الواقع أن القبطية انشقت عن وتصادمت مع وتم اضطهادها من الأرثوذكس أصحاب العقيدة المسيحية السائدة في العالم وقتها.


 فقد حدث خلاف في منتصف القرن الخامس بعد ما استقرت الأرثوذكسية (مجمع نيقية - 325 م) علي أن المسيح بشر وإله , هذه المرة الخلاف كان حول قضية هل المسيح  ذو طبيعتان إله و بشر أم هو ذو طبيعة واحدة بمعنى أنه إله وليس له بشرية منفصلة وعرف الأخير بمذهب أو عقيدة الموحدون لطبيعة المسيح (كإله). وكان الأقباط يؤمنون بهذه العقيدة. وعقد مجمع خلقودينية 451 ميلادية وقرر أن الأيمان بالطبيعة الواحدة يعتبر هرطقة (عقيدة خارجة عن الأرثوذكسية) وتم خلع بطريرك الإسكندرية ديوسقوروس مؤيد الموحدين لطبيعة المسيح ونفيه من مصر. وعين بروتريس بطريرك بدلاً منه على مقعد كنيسة الإسكندرية الأرثوذكسية (المقعد التاريخي التقليدي). ومن ذلك الوقت أصبح الأقباط أقلية مضطهدة وأضطر زعمائها للهروب بعيداً عن الإسكندرية إلى أقاصي الصعيد وفي الصحراء حيث الأديرة ولم يتمكن الأقباط من أن يكون لهم كيان مستقل إلا بعد أن تحررت مصر بالفتح الإسلامي في القرن السابع. بعد ذلك أقام الأقباط  في الإسكندرية ما يعرف بكرسي الكنيسة المرقسية القبطية ولقبوها بالأرثوذكسية - من تلقاء أنفسهم – للالتفاف والتغطية على ونفي صفة الهرطقة عنهم وهي المقررة عليهم كصفة بمجمع خلقودينية الكنسي العالمي (451 م).


سعي الأقباط لإنشاء كرسي كنسي موازي في الإسكندرية رغم وجود كرسي الإسكندرية التاريخي التابع للبابوية الأرثوذكسية ألرومانية الشرقية (البيزنطية). هذا الكرسي التاريخي موجود حتى عصرنا الحالي في الإسكندرية في كنيسة منفصلة والبابا من اليونان. ومن هذا نفهم أنه لم يوجد مسيحي يعتنق العقيدة القبطية قبل القرن الخامس والكنيسة المرقسية القبطية لم يكن لها وجود رسمي ذو كيان قبل الفتح الإسلامي (القرن السابع الميلادي). ومن المعروف أن المسيحية الغنوسية كانت هي السائدة في مصر في القرنين الثاني والثالث, ومما يؤكد انتشار الغنوسيين وخطورتهم في هذا العصر كتابات أعدائهم الأرثوذكس مثل تيرتلولين (180م), و أيرونيس (180م) الذي خصص خمسة أجزاء في كتاباته عن الهرطقة لدحض هذه العقيدة وأيضاً اكتشاف ألأناجيل الغنوسية المكتوبة باللغة القبطية في نجع حمادي(1945) وفي غيرها, من بقاع مصر. ومن هذا نستنتج أن أصل المسيحية في مصر في القرون الثلاثة الأول لم يكن قبطي بل لم يكن أرثوذكسي أصلاًً. ولكن فيما بعد قضى.الأرثوذكس علي الغنوسية وتوطد لها الأمر في العالم المسيحي. الواقع أن تاريخ المسيحية من بدايتها في مصر لا يعتبر تاريخاً قبطياً لا في أحداثه ولا في رجاله من أباء الكنيسة ولا في عظماء اللاهوت الأرثوذكسي كل هؤلاء لم يكونوا أقباطاً ومن العيب الخلط بين تاريخ المسيحية قبل منتصف القرن الخامس وتاريخ الأقباط لأنهم لم يكونوا على الساحة أصلاً في ذلك الوقت. أذن الأرثوذكس هم الأصل في الوجود والمسمى أما الأقباط فطائفة انشقت عنهم بمعتقد مختلف حول طبيعة المسيح كطبيعة واحدة إلهية وهذا كان من الخطورة بما كان    - رغم أني لا افهم لماذا - بحيث أسفر عن  انفصال الأقباط عن الكنائس الكبرى المعروفة بالأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية والبروتستنتية وهي تعتبر الكنائس الأساسية في العالم أجمع. وصف الأقباط أنفسهم بالأرثوذكس جاء مزاحمة, وأدى إلي خلط متعمد بين المحلي والعالمي وبين حقبة سابقة عليهم  يحاولون أن ينسبوها لأنفسهم كما يحاولون اليوم نسبة تاريخ مصر والإسكندرية العريق لطائفتهم. وليكن واضحاً أن الشعب الذي عاش ويعيش على أرض مصر وشكل حضارتها لم يكن قبطي العقيدة. تاريخ مصر لم يحركه أي شيء ينسب للأقباط ولنجعل كتب التاريخ حاكمة. ومن المؤسف أن يتصور الأقباط أن تاريخ مصر يقرره باباوات الكنيسة القبطية بقصص ونبوءات وقصص تراثية هدفهم في هذا تدعيم عرش البابوية القبطية وسيطرتها على جموع الأقباط وتوجهاتهم السياسية .
أحد الأناجيل المسيحية الغنوسية التي كتبت باللغة القبطية والمشهورة هي إنجيل يهوذا الأسخريوطي الذي منع عرضه علي الجمهور نزولاً على رغبة الكنيسة القبطية في عصر حسني مبارك وتم حفظه في مخزن المتحف القبطي بعد استعادته من الولايات المتحدة في 2010  وباليت زاهي حواس ما سعى لإعادته لمصر.لأنه أضطر في النهاية لدفن الأثر الهام عمليا بعد أن كان حياً في النور بعيداً عن الكنيسة القبطية. أيضاً من ضمن الأناجيل المشهورة أنجيل مريم المجدلية المكتشف في أخميم والذي بنيت  عليه قصة وفيلم دافينشي كود.
 محتوي الأناجيل المكتشفة من الناحية اللاهوتية ربما مخالف للمعتقدات المسيحية الحالية لكنه ليس خطير ومسيء وبالضرورة سوف يزلزل العقيدة. وإذا كنا نحكم على الآثار التاريخية من منطلق لاهوتي فماذا عن تماثيل حورس وأمون وماذا عن بوذا أليست هي أثار مخالفة للمسيحية والإسلام أيضاً.إذن لابد أن نقدر أن الآثار مهما كانت تساهم في فهم حقبة من التاريخ لا يصح وئدها لأسباب لاهوتية.

قصص الكتاب المقدس والتفسير اللاهوتي التاريخ


هروب العائلة المقدسة إلى مصر

الإشارة إلى هروب مريم العذراء (العائلة المقدسة) إلى مصر ذكر باقتضاب في إنجيل (كتاب بشارة) متى وهو الإنجيل الوحيد الذي ذكر هذا من غير الأناجيل الأخرى (مرقس, لوقا ويوحنا) وهذه الواقعة لا تؤيدها حقائق تاريخيه ومتضاربة مع قصة ميلاد المسيح التي رواها إنجيل(كتاب بشارة) لوقا. أما القصة الطويلة جداُ التي يرويها المسيحيون القبط عن تجول العائلة المقدسة في مصر فيعتبر اعتقاد إيماني يحترم طالما بقى في الكنيسة, لكن اليوم عندما أصبح أدعاء تاريخي للأقباط على أنهم أول دولة مسيحية في العالم من ألفي عام فذلك يقال عنه التفسير اللاهوتي للتاريخ الذي يلزمه إيمان بغيبيات وهذا غير مقبول خارج الكنيسة و غير مفروض على غير الأقباط في التسليم به, والإدعاءات التي تقوم عليه غير ذات قيمة ملزمة. من المنظور التاريخي. هروب العائلة المقدسة لمصر هي مجرد روايات تراثية وليست حقائق تاريخية يعتد بها وتبنى عليه إدعاءات. لقد اكتشفت بعد البحث أن المصدر الوحيد لقصة هروب العائلة المقدسة قائم على رؤيا حلم بها البابا ثاؤفيليس (ألبابا الـ 23) ودونها في مخطوط في نهاية القرن الرابع ثم أصبح للحلم خريطة تشمل مصر كلها.
والمعروف أن الأقباط تاريخياً لم يكونوا دولة في أي عصر وبأي مفهوم. و حسب الكتاب المقدس, المسيح لم يبدأ تبشيره وهو رضيع. وإذا راجعنا التاريخ القبطي نجد أن أول من أعتنق المسيحية على يد مرقس الرسول من أهل مصر بعد ميلاد المسيح بـنصف قرن أو يزيد, كان إنيانوس الاسكافي الذي أصلح حذاء مرقس بالقرب من كوم الشقافة بالإسكندرية والذي نصبه مرقس الرسول بعدها بفترة أول بطريرك للكنيسة المرقسية من مصر. ويعتبر الثاني بعد مرقس في السلسلة الغير منقطعة للبابوية القبطية (البابا شنوده الثالث هو البابا الـ 117 كخليفة). إنيانوس الإسكافي كان يعيش في الإسكندرية مثل كثير من الأجانب من الرومان واليونانيين وفي القصة القبطية صاح إنيانوس عندما دخل المثقاب في يده أثناء رتق حذاء مرقص الرسول وقال "إيس ثيؤوس " (الله واحد) مما أسعد وشجع مرقس علي تبشيره بالمسيح. ولا يمكن أن يقول الله واحد في ذاك العصر الوثني إلا يهودي واليهود عرقياً ليسوا مصريين ولكن عاشوا في مصر وفي الإسكندرية بالذات. والمعروف تاريخياً أن اليهود في الشتات هم أول من أمنوا بالمسيحية مثل بولس الرسول وغيره.
وقد أوضحت من البداية أن تاريخ الأقباط ليس ضارباً في القدم إلى هذا الحد لأنهم طائفة ظهرت في منتصف القرن الخامس الميلادي. أما الفترة الممتدة من ميلاد المسيح وحتى منتصف القرن الخامس ما حدث في مصر وما يشار فيه إلى تاريخ المسيحية إنما يعني المسيحية في عمومها ولا يصح الادعاء بأنه تاريخاً قبطياً والفاعلين فيه أقباط بل على العكس تماما. ولابد من العودة ونؤكد أن إنيانوس ومن جاء بعده من بطاركة كنيسة الإسكندرية الأرثوذكسية لم يكونوا أقباطاً. ولكن تاريخ بطاركة الأقباط لابد أن يعود لرسول حسب المفهوم المسيحي لفكرة البابوية ولما كان هذا الرسول هو مرقس لأنه جاء لمصر فكان علي الأقباط ضم بطاركة الإسكندرية الأرثوذكس الأصليين (لخمس قرون) قبل انشقاق الكنيسة القبطية إلي سلسلة البابوية القبطية رغم أنهم لم يكونوا أقباطا بل أرثوذكس حتى لا تصبح البابوية القبطية منقطعة الصلة بمرقس الرسول. ربما كان من بطاركة الإسكندرية مصريين أو من غيرهم من الأجناس التي عاشت في الإسكندرية وليس هناك أي داعي أو دليل يشير إلى أن كل مصري كان أو عليه أن يكون قبطي العقيدة.
*العذراء مريم في التراث المسيحي

وجدت كثيراً من المسلمين منزعجين وغير مصدقين عندما ذكرت ما هو مكتوب ومعروف في الكتاب المقدس أن مريم لها زوج لذا كان علي الإيضاح. 
 العذراء في الكتاب المقدس تزوجت من يوسف والمسيح له أخوه من أبيه يوسف       ( مَـتـّى الإصحاح الأول 16 ومن 19 ~ 25). يوسف هو الرجل الذي تراه يقف بجانب العذراء في الرسومات والأيقونات المسيحية المتعلقة بميلاد المسيح وهروب العذراء لمصر. الأقباط بحكم تواجدهم بين المسلمين لا يشيرون إلي يوسف زوج "مريم" إلا بالشيخ يوسف أو يوسف النجار للتخفيف من وطأة زواج "مريم " على وجدان وعقول أتباعهم وتجنباً للمفارقة الصارخة.
رواية مَـتـّى تجمع بين عذرية مع زواج في وجود أبناء وهذه تركيبة معقدة صعبة تفتح باب للشك في عقول المؤمنين لكن يبدوا أن مَـتـّى أضطر إلي ذاك التعقيد لأنه يوفر تبرير سهل لتقبل المجتمع اليهودي لميلاد المسيح دون فضيحة متوقعة كما يتيح فرصة لذكر نسب غير عادي للمسيح ليصله بأجداد من أنبياء اليهود عن طريق زوج أمه وهذا ما أراده مَـتـّى. لم يكن مَـتـّى شاهد عيان وكان عليه أن يستخدم موهبته في ربط الأحداث وتبريرها وإرجاع الأحداث إلي نبؤه أو إشارة في كتب اليهود المقدسة. الروح القدس في الرواية يخبر زوج مريم كيف يستر زوجته العذراء الحبلى....!!! وهذا بالقطع يقلل من حجم المعجزة بل ويتعارض مع القول بأن المسيح أبن لغير بشر..؟. وفي قصة مَـتـّى عذرية مريم لم تعد بينه وحملها فضيحة يحتاج لستر من البشر.
ولكن بشاهدة القرآن الكريم السيدة مريم العذراء عليها وعلى عيسي السلام هي خير نساء العالمين وعند ولادتها للمسيح عليه السلام لهول المسؤولية وبكل الضعف الإنساني تتمنى الموت في صورة واقعيه معقولة ومحسوسة من إنسانة لا تعلم الغيب وهي مثل كل البشر ينفعهم إيمانهم بالرحمن عند الابتلاء فيصبرون ويؤجرون. ولكن ما كان عليها أن تبرر شيئاً من قضاء الله فأشارت إلي المسيح عيسى عليه السلام عندما أتت قومها تحمله بكل ثقة ليتحدث عيسى المعجزة عن نفسه وعن الله خالقه....هنا لم يكن هناك حاجة لغطاء وستر من بشر.. معجزة من الله مقصوده لتظهر بكل الوضوح والقوة ومن أو لحظه.

قصة زيارة مرقس الرسول للإسكندرية وتأسيسه للكنيسة المرقسية بالإسكندرية
(كرسي البابوية القبطية)


قصة زيارة مرقس الرسول لمصر

قصة زيارة مرقس الرسول للإسكندرية وتأسيسه لكنيسة الإسكندرية المرقسية لا يوجد ما يسندها من حقائق تاريخية ثابتة وقصة استشهاده ومكان دفن جسده أو دفن رأسه في الكنيسة القبطية المرقسية بالإسكندرية كلها أقاويل متضاربة. والتسلسل التاريخي لعمر ألرسول, مرقس غير مؤكد لدرجة أنه لا يمكن تقديم  قرار نهائي عن سفرات مرقس الرسول. وفي أحسن الأحوال يمكن اعتبارها قصص تراثيه عرضه للتفسير اللاهوتي وتخدم غرض معين يمكن أن نستوضحه من سياق الروايات.  حضر مرقس إلى الإسكندرية إما من القدس شرقاً أومن قبرص أو روما شمالاً أو من ليبيا غرباً أو جنوباً(عن طريق ليبيا-الواحات- الصعيد- بابليون- الإسكندرية). وكان هذا في أواخر خمسينات القرن الأول على الأرجح, وأثناء سيره في الطرق الصخرية لمدينة الإسكندرية تمزق سير حذائه وفي راكوتي (ميناء يوناني قديم بالقرب من منطقة كوم الشقافة بالإسكندرية) قابل الإسكافي إنيانوس (حنانيا) وأثناء رتق الأخير لحذاء مرقس جرح يده بمثقاب يستخدمه فصرخ قائلاً الله واحد وعندها فرح مرقس وأخذ قطعة من الطين وتفل فيها ووضعها على الجرح فشفي في الحال وأندهش الرجل وقام مرقس بتبشيره بالمسيح فدخل هو وأهل بيته وعدد كبير من أهل الإسكندرية في المسيحية فنصب مرقس الرسول إنيانوس بطريرك وتركه مرقس وذهب إلي المدن الخمس (بنتا بوليس) في ليبيا الحالية وعاد بعد عامين ليجد  عدد كبير من الناس قد دخلوا في المسيحية. وأثناء احتفالهم بعيد الفصح في كنيسة في منطقة بوكاليا (مكان تمثال سعد زغلول بالرمل) قبض عليه الوثنيون وجرجروه في المدينة بحبل لفوه حول رقبته ثم وضعوه في السجن فظهر له ملاك عظيم وبشره بتاج الشاهدة. أخذه الوثنيون في اليوم التالي وسحلوه في الشوارع
 وبعد موته أشعلوا ناراُ لحرق جثته ولكن  الطبيعة ما كانت لتسمح بهذا فقد حدث مطر شديد وانطفاء الحريق ووجدوا الجثمان كاملاً ودفنوه في الجزء الشرقي لكنيسة في بوكاليا بالإسكندرية. وعند الغزو العربي للإسكندرية يقولون أن الرأس سرقت وبقى الجثمان في مكانه وسفينة الدوق ساننيوتس سارق الرأس حبسها حابس منعها من الإبحار فعادت الرأس بمعجزة وتسلمها البابا القبطي بنيامين وليس عدوهم البابا البيزنطي لكرسي الأسكندرية حيث كان كرسي بابا الإسكندرية الرسمي تابعاً للكنيسة الأرثوذكسية (البيزنطية) فوضعها البابا القبطي بنيامين في صندوق خشبي وكان الأقباط يحتفظون بها في البيوت على أمل أن يتمكنوا من بناء كنيسة عليها تخص الأقباط فلم يكن مسموح لهم بذلك بوصفهم مارقين بصورة رسمية على العقيدة الأرثوذكسية كما أوضحت من قبل. وانتقلت الرأس من بيت لبيت حتى استقرت في صحراء وادي النطرون )في دير القديس مكاريوس (ويقولون أن الجثمان بعد ذلك سرقه من الإسكندرية الإيطاليون من البندقية (فينسيا)  ويبدو لي أن زمن المعجزات كان قد ولى فلم يعود الجثمان بمعجزة كما عادت الرأس من قبل. يقولون بعد هذا استولى علي الرأس أمير تركي..؟ وعاد فباعها لهم بـ300 دينار ثم نقلت رأس مرقس من دير القديس مكاريوس في وادي النطرون إلي الإسكندرية. في عهد البطريرك كيستوديلس       ( 1047 - 1077) بطريرك الإسكندرية السادس يعنى بعد الفتح الإسلامي وتحرر مصر من الرومان بعدة قرون.
 وهذه هي ترجمة للقصة من عدة مصادر أجنبية متطابقة في روايتها عن مرقس الرسول لكن في المواقع القبطية يقولون
"أن من سرق الرأس هم بحارة أسطول..؟؟ عمر أبن العاص الذي حبسه حابس وفشل في الإبحار فاستدعى عمر أبن العاص البحارة وعلم بالقصة فأعاد الرأس ووهب بنيامين البطريرك القبطي عشرة ألاف دينار...؟؟" وقالوا الرأس كان يتم تهريبها من بيت إلى بيت عندما كان الجنود المسلمون يفتشون البيوت بحثاً عن الرأس".
لوحة تهريب جثمان القديس مرقس إلى فينيسيا 

  لتبديد هذا الوهم وتحريف التاريخ من الأقباط أنبه إلى أن لا عمر بن العاص ولا المسلمون في هذا العصر كان لهم أسطول كما أن المسلمون المحررين لمصر كانوا بدواً مترجلين أو راكبي دواب وليسوا بحارة ولم يكن لهم سفن وأسطول وان منهم الكثير من الصحابة ونبش القبور ينهى عنه دينهم وبالقطع وما كانوا يتخيلون أن هناك رأس لميت يتبرك بها الأقباط  ويقيموا عليها الطقوس. ثم  لماذا يفتش الجنود المسلمون البيوت وأميرهم قد أعادها للبابا بنيامين الأول حسب قولهم. بالقطع من يعرف قيمة رأس البشير مرقس كان مسيحياَ وكما تقول القصة ستتكرر محاولة السرقة  ولكن هذه المرة للجسد كله و سيأخذه سارقوه إلى البندقية. 
 والمعروف والثابت الآن أن رفات القديس مرقس موجودة في سان مارك بازيليكا (كنيسة القديس مرقس) بفينيسيا(البندقية) في إيطاليا . حيث توجد لوحة من
 الفسيفساء تسجل تهريب جثمان القديس مرقص من الإسكندرية.  ولم يذكر بحارة فينسيا وأغلب المؤرخون إن الجثمان كان بدون رأس عند تهريبه وظلت قصة الرأس مجال للاحتمالات الغامضة المقصودة من الأقباط. المهم المراد من قصة الأقباط عن سرقة رأس مرقس الرسول هي تأكيد أن الرأس وقعت في يد الأقباط أما الجثمان الذي كان في بوكاليا بالإسكندرية فكان عند الأرثوذكس البيزنطيين وهذا الجثمان سرقه بحارة وذهبوا به إلي فينيسيا. بما يعني  أن  لديهم رأس البشير مرقس ولو بقصة وتبريرات غير معقولة.
في عام 1967البابا كيرلس السادس البابا الـ116 طلب من بابا الفاتيكان بولس السادس استرجاع جثمان مار مرقس ليدفن مع رأسه في الإسكندرية ولكن  قطعة صغيرة من عظام مرقس الرسول
هي ما حصل عليه في النهاية بعد مفاوضات مع الفاتيكان. وتوجه إلي روما وفد مكون من ثمانية من أساقفة المحافظات والأديرة المصرية الرئيسية وعشرة قساوسة وأكثر من 70 من وجهاء الأقباط المصريين وعدد من أساقفة كنيسة الحبشة وعادوا بتلك القطعة الصغيرة من عظمه لمرقس الرسول كانت مهداه من الكاردينال جيوفاني بطريرك فينيسيا إلي بابا روما بولس السادس وكان يحتفظ بها الأخير في خزانة الفاتيكان وقالوا أن القبر لم يفتح لهذا الغرض...؟(فمن أين أتت إذن..؟). صاحب الوفد القبطي في عودته في 24 يونيو عام 1968  وفد من الفاتيكان. ثم دفنت في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية قي شق في قطعة جرانيت مصقول وعليها غطاء ثقيل من الجرانيت أسفل مذبح الكاتدرائية وذلك ثاني يوم افتتاح الكاتدرائية أي في 26 يونيو عام 1968 احتفالا بالذكرى
الـ1900 لاستشهاد مرقس الرسول. وكان احتفالاً
 مهيباً حضره  جمال عبد الناصر وإمبراطور الحبشة السابق (هيلاسيلاسى). الغريب أن بابا روما بولس السادس في نفس الوقت أهدى في 27 يونيو 1968 قطعة أخرى من عظام مرقس إلى المتعالي بالقداسة المطوّب نيكولاس السادس بطريرك الأرثوذكس اليونانيين بالإسكندرية أي بطريرك البطريركية الأرثوذكسية الأصلية (من أيام بيزنطة) وذلك بدون مفاوضات بل توجه وفد الفاتيكان بنفسه إلى الإسكندرية لتسليمها له. وقال رئيس الوفد في خطابه "إن الرفات أخذت عام 1952من جره يحفظ فيها رماد  البشير مرقس موجودة في كنيسة سان مارك بفينيسيا. 
السؤال هو ما هي الحاجة لإرسال وفد من حوالي مائة كنسي مصري وحبشي ووجيه قبطي ليتسلموا اقطعه صغيرة من عظام مرقس إن كان لديهم رأسه...!!. ولماذا حرص وفد الفاتيكان على توضيح من أين أتوا بالرفات وفي أي تاريخ بالضبط وذلك للبابا الأرثوذكسي اليوناني في حين أن القطعة التي حصل عليها الأقباط لم يذكر لها تاريخ وطريقة الحصول عليها من جثمان مرقص.
 القضية في الواقع  تتعلق بتوازن قداسة الكنائس وكراسي البابوية وشرعيتها بين بيزنطيين وأقباط وتستغل في هذا رفات أو عظام القديس مرقس. والمعروف أن طائفة الأقباط تتمسك بهذه القصة لتعقيدات وحساسيات تتعلق بكرسي البابوية القبطي الذي يفتخرون بأن من أسسه هو مرقس الرسول وليس غيره ...(يقصدون أنهم لم يتقلدوا الكرسي من الكنيسة الرومانية البيزنطية) لأن الكرسي البابوي بالإسكندرية من بدايته كان حكراً على من تعينه الدولة الرومانية البيزنطية بحكم أنه منصب ديني سياسي ذو صلاحيات إدارية تابع للإمبراطورية الرومانية البيزنطية ولما انفصلت العقيدة القبطية عن الأرثوذكسية الرومانية الشرقية وأصبحت عقيدة مهرطقة في عرف الكنيسة والدولة الرومانية البيزنطية حسب مجمع (خلقودينية) الكنسي الشهير في 451م كما أسلفت كان من المستحيل أن يكون على كرسي الإسكندرية بابا قبطي لذا كان علبهم في الخفاء إيجاد شرعية مستقلة عن الرومان وكان لابد من قصة تجعل رأس مرقس تقع في أيديهم فلم يكن باستطاعتهم الوصول لجسد مرقص في كنيسة تابعة لأعدائهم. ولم يكن بإمكانهم حتى بناء كنيسة فوق رأس مرقس الرسول أيام الرومان لذا بقيت في البيوت حيناً واستقرت في وادي النطرون والمعروف أن تنصيب البابا القبطي في مصر كان يتم لعقود في وادي النطرون حيث كان على البابا الجديد أن يضم رأس الشهيد مرقس إلى صدره ويحتضنها بقوه في نهاية حفل تنصيبه (لا حظ في وادي النطرون وليس في الإسكندرية) هكذا ابتدعوا شرعية مستقلة عن الأرثوذكس الرومان لبابا الأقباط من رأس مرقس. ويتضح من ذلك كله كيف ولماذا يتم توزيع قطع من عظام الرسل وتوظف رفات شهيد المسيحية لتدعيم هذه الكراسي البابوية في ألإسكندرية (عاصمة مصر أيام اليونان والروم) فقد كانت ومازالت ساحة التنافس المسيحي التاريخي بين أرثوذكس رومانيين وأقباط وحتى كاثوليك .
ولابد أن يكون واضحاً أن هناك كرسيان للبابوية الأرثوذكسية في الإسكندرية كرسي كان تابعاً ومازال للكنيسة الأرثوذكسية الرومانية الشرقية وهو الأصل وهذا ما يشار إليه في صفحات التاريخ العالمي بكنيسة الإسكندرية وكرسي الإسكندرية ولم يتقلده مصري قبطي العقيدة أبداً. لذا جعل الأقباط لهم كرسي خاص يستمد شرعيته من قصة مرقس ورفاته وليكن في الإسكندرية وهو ما يعرف بكرسي الكنيسة المرقسية بالإسكندرية وهو كرسي ثاني لم يتمكنوا من إنشاءه تحت الاحتلال الروماني. بالطبع هذا يخلق تعقيداً ومجال للخلط بين الأرثوذكسية الأصلية والعقيدة القبطية بالذات عند غير المدقق في معرفة ما المقصود بكنيسة الإسكندرية من الناحية التاريخية كما نجد نفس التعقيد في الحديث عن الشخصيات المسيحية التاريخية ذات الباع في اللاهوت والذين عاشوا في الإسكندرية من أرثوذكس وأقباط.
 ومن المعروف أنه في القرن الرابع الميلادي المسيحيون الأوائل كانوا يمثلون أقل من 10%  فقط من تعداد الإمبراطورية الرومانية بكاملها ومصر كانت من ضمنها. أما في القرن الواحد والعشرين المسيحية ألقبطية بعقيدتها الخاصة المختلفة مع بقية المسيحية في العالم طائفة صغيرة نسبياً حوالي 6 إلى 8 مليون قبطي من أكثر من مليارين مسيحي أغلبهم كاثوليك على مستوى العالم  ولم يكن للكنيسة القبطية دوراً تاريخياً  في التراث المسيحي العالمي مثل الكاثوليك والبروتستانت والمعروف أن عظماء اللاهوت الأرثوذكسي الذين تواجدوا في مصر أو من مصر في كل التاريخ لم يكونوا أقباطاً بل كانوا مصريين من الأرثوذكس الرومانيين الشرقيين الذين عاشوا في الإسكندرية وهناك فرق بين  المسيحي المصري والمسيحي قبطي العقيدة.
 في واحة الأمان والتسامح الإسلامي أعاد الأقباط كتابة تاريخ الكنيسة القبطية بالصورة التي تعضد عقيدتهم وللأسف حقنوها بكل حقد على تاريخ الفتح الإسلامي والمسلمين وأصبح هذا التاريخ المشوه المبني على قصص لاهوتية هو ما يلقونه لأبنائهم مما ينذر بعواقب وخيمة. المسلمون وفروا للأقباط الحماية المباشرة وغير المباشرة من ابتلاع الكنائس العالمية الكبرى لأبنائهم لمدة أربعة عشر قرن وجعلهم كنيسة لها كيان رغم من أن الأقباط كانوا قلة ومازالوا. والواقع أن الكنيسة القبطية وممارسة أتباعها للطقوس والعبادة القبطية بصورة علنية محترمة عاصر تماماً الفتح الإسلامي منذ بدايته يعني منذ أربعة عشر قرن ولم يكن لهم كلمة ولا فعل يذكر في مصر قبل ذلك التاريخ وهم مدينون لمن حرروهم من المسلمين ولدم شهداء الصحابة الذي روى تراب مصر في سبيل تحرير العباد من ظلم الرومان.
  تحاول الكنيسة القبطية في وقتنا الحاضر التقرب ورأب الصدع بينها وبين الكنائس العالمية لكن هذا تحقق جزئياً في إعادة صياغة كلمات التعريف بطبيعة المسيح {ناسوته(بشريته) ولاهوته(إلوهيته)} بحيث ترضي الجميع. لكن لا تسلم الكنيسة القبطية من محاولات الكنائس الكبرى لطيها تحت جناحها أو اجتذاب أبنائها وهذا محتمل وهاجس الكنيسة القبطية على الدوام.
سلامة الدليل واجبه و الوهم من حقنا تبديده
 المؤلف
د. مصطفي جمال الدين  

أذا أراد القارئ الكريم الإطلاع على البحث كاملاً
أو كان عنده تعليق أو ملاحظه برجاء الكتابة على العنوان التالي
https://www.facebook.com/mostafa.gamaleldin.mostafa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق